دعم يضيع بين جشع التجار وحاجة المواطن... فهل حان وقت إعادة الدور للمؤسسة الاقتصادية؟


دعم يضيع بين جشع التجار وحاجة المواطن... فهل حان وقت إعادة الدور للمؤسسة الاقتصادية؟


بقلم: المحاسب القانوني معاذ عبدالوحد الصبري *
لطالما كان دعم المواد الأساسية (مثل القمح والسكر والزيت...) إحدى الركائز الأساسية في سياسات الحكومات الهادفة إلى تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل المواطنين، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالمواطن اليمني، تستمر معاناة الأسر البسيطة من الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأساسية، رغم المخصصات والدعم الحكومي الموجه لتخفيف هذه الأعباء. ومع غياب فعّال للرقابة على الأسواق والتجار، أصبح من الواضح أن هذا الدعم لا يصل إلى مستحقيه، بل يتسرّب إلى جيوب التجار ويزيد من ثرواتهم، بينما يزداد الفقير فقرًا والمحتاج عجزًا. وهكذا، يصبح الدعم عبئاً إضافياً على ميزانية الدولة دون أن يحقق هدفه الاجتماعي والاقتصادي.
إن هذا الواقع المؤلم و المرير، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل حكومي حاسم.. فإذا لم تتمكن الحكومة من فرض الرقابة الحقيقية على الأسواق والتجار، فإن الحل البديل يتمثل في إعادة النظر في آلية الدعم، عبر تحويله من دعم غير مباشر إلى دعم مباشر وفعّال يضمن وصول المواد الأساسية إلى المواطن بسعر معقول.
ولتحقيق ذلك، نطالب الدولة بـ:
رفع الدعم الحالي عن المواد الأساسية والذي لا يحقق غايته المرجوة.
تحويل هذا الدعم إلى المؤسسة الاقتصادية اليمنية لتقوم هي بعملية الاستيراد المباشر للمواد الأساسية، ويهدف هذا المقترح إلى تمكين المؤسسة الاقتصادية من الاضطلاع بدورها الحيوي الذي كانت تقوم به سابقاً في استيراد المواد الأساسية وبيعها للمواطنين عبر فروعها المنتشرة في جميع المحافظات، هذه الخطوة من شأنها أن تقضي على حلقات الوساطة المتعددة التي يستغلها التجار لرفع الأسعار، وتضمن وصول السلع بأسعار معقولة إلى المستهلك النهائي.
تمويل عمليات الاستيراد من خلال إصدار صكوك إسلامية يكتتب فيها المواطنون أو المستثمرون، هذا التمويل الإسلامي، الذي يتوافق مع مبادئ الشريعة، سيوفر السيولة اللازمة لشراء المواد الأساسية، وفي المقابل، سيتم تخصيص جزء من الإيرادات المتحققة من بيع هذه المواد لأصحاب الصكوك الإسلامية. هذا النموذج يضمن تحقيق أرباح معقولة للممولين،  مما يضمن استدامة التمويل والعدالة في توزيع الأرباح، مع الحفاظ على أسعار تنافسية للمستهلكين.
إن تطبيق هذا المقترح سيعود بالنفع على الاقتصاد والمواطن على حد سواء. فمن ناحية، سيساهم في الحد من جشع التجار واحتكارهم للسوق، ومن ناحية أخرى، سيعمل على **تحسين مستوى المعيشة للمواطن اليمني البسيط** من خلال توفير المواد الأساسية بأسعار معقولة ومستقرة. إن هذا المقترح لا يضمن فقط تخفيض الأسعار وتوفير المواد الغذائية بأسعار مناسبة، بل يخلق أيضًا نموذجًا تنمويًا تشاركيًا يعزز الثقة بين المواطن والدولة، ويحد من جشع بعض التجار الذين يتلاعبون بقوت الناس.
إننا أمام فرصة حقيقية لإعادة هيكلة منظومة الدعم، وتحويلها من عبء مالي لا طائل منه إلى رافعة اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على الجميع، وخاصة المواطن البسيط الذي يستحق أن يعيش بكرامة.
لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات جريئة وفعالة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، وتحويله من أداة يستغلها البعض لتحقيق الثراء غير المشروع إلى وسيلة حقيقية لتحسين حياة المواطنين.
*نقيب المحاسبين – رئيس مركز المستشارين اليمنيين.