واصل المستثمرون على مدى عقود التعبير عن استيائهم إزاء ندرة اكتشاف المدققين الخارجيين للحسابات عمليات الاحتيال داخل الشركات. وبداية من إنرون إلى وايركارد، كانت تتردد عقب كل فضيحة صيحات عالية: «أين كان مدققو الحسابات؟».
وكان تقرير أصدرته جمعية محققي الاحتيال المعتمدين للاحتيال حول كيفية اكتشاف الاحتيال في مكان العمل أظهر أن المدققين لك يكتشفون المخالفات إلا في 4 % فقط من الحالات. والأسوأ من ذلك، هو أن التقرير الأحدث للجمعية والذي صدر قبل بضعة أسابيع أوضح أن الرقم انخفض إلى 3 %. وربما تكون الخطوط الساخنة للإبلاغ عن المخالفات وغيرها من إجراءات المراقبة الداخلية ساعدت بعض الشركات في تحديد المخالفات في وقت مبكر، لكن ماذا لو كانت الإدارة هي الجاني أو كانت أخلاقيات المؤسسة نفسها فاسدة؟
وقد أظهرت دراسة استقصائية للمستثمرين أجراها مركز «أوديت كواليتي»، وهي مجموعة تجارية لشركات المحاسبة الكبرى، أن 57 % يعتقدون أن النظام الحالي يخفق «غالباً» في الكشف عن الأعمال غير المشروعة.
وتخشى الجهات التنظيمية أن مدققي الحسابات يواجهون إخفاقاً في القيام بدورهم كخط دفاع أخير لمواجهة الاحتيال داخل الشركات. وترى شركات مراجعة الحسابات أن المديرين التنفيذيين للشركات مسؤولون عن دقة البيانات المالية، وأن دور مدقق الحسابات هو فقط توفير تأكيدات معقولة ـ وليس ضماناً ـ بأن البيانات المالية خالية من الأخطاء الجوهرية.
وقد دفع هذا الجدل كبير المحاسبين في لجنة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية، بول مونتر، إلى التصريح في أكثر من مناسبة بأنه سئم تماماً سماع كلام المدققين بشأن ما لا ينجزونه. ومع ذلك، فقد طُرحت سلسلة مقترحات لتوضيح وتوسيع نطاق مسؤوليات مدققي الحسابات.
وفي الولايات المتحدة، يعمل مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة على تحديث اللوائح المتعلقة بالكيفية التي يجب أن يبحث بها المدققون عن أدلة على عدم امتثال العميل للقوانين واللوائح والتعامل معها (والمشار إليها بين المتخصصين باسم نوكلار- Noclar). والهدف هو إجبار المدققين على توسيع نطاق البحث عن المسائل التي يمكن أن يكون لها تأثير جوهري على البيانات المالية للشركة، حتى ولو بصورة غير مباشرة يمكن أن تفضي إلى فرض غرامات كبيرة أو إجراءات تنظيمية تهدد العمل.
وقد ردّت شركات مراجعة الحسابات بأنه ليس من الممكن أن ينتظر منها إصدار أحكام قانونية، وأن الكم الهائل من العمل الإضافي الذي تنطوي عليه المسودة الحالية لمقترح «نوكلار» ربما لن يكشف عن أي شيء مهم يتجاوز ما تفعله الإجراءات الحالية.
وأثار مقترح أضيق نطاقاً في المملكة المتحدة - يشير إلى أن المدققين غير مطالبين بالتدقيق في كل قانون أو لائحة ثانوية، ويمكنهم الاستفادة من برامج الامتثال الخاصة بالإدارة كنقطة بداية – تقريباً سلسلة مدوية من خطابات التعليق المعارضة.
وجاء الإجراء الأحدث من المجلس الدولي لمعايير التدقيق والتأكيد، الذي يحدد القواعد التي تُستخدم كقالب من قبل عشرات الدول حول العالم. فقد اقترح المجلس تعزيز المعايير المتعلقة بالكشف عن عمليات الاحتيال للتأكيد على أنه يجب على المدققين البحث عن الأخطاء المالية التي قد لا تكون «جوهرية كماً»، ولكنها قد تكون «جوهرية نوعاً»؛ اعتماداً على من حرض على الاحتيال وسبب تنفيذه.
وظهور هذه المقترحات ليس من قبيل الصدفة، وليس الأمر كما لو أن شركات التدقيق نفسها لا تدرك أن ثمة مجالاً للتحسين. فقد وعدت شركة «بي دبليو سي» العام الماضي بإعادة هيكلة إجراءات الكشف عن الاحتيال وفحص برامج المبلغين عن المخالفات الخاصة بعملائها عن كثب، من بين جملة إصلاحات أخرى لتعزيز جودة مراجعة الحسابات. وحاول رئيس الشركة، تيم رايان، دون جدوى إقناع جميع الشركات الأربع الكبرى بتقديم التزام مشترك بشأن هذه القضايا.
ويواصل قادة آخرون مناقشة «فجوة التوقعات» بين ما يرغب المستثمرون في أن تشمله عمليات التدقيق وما تنطوي عليه فعلياً، وكأن المستثمرين هم من بحاجة إلى التنوير وليس المهنة التي تحتاج إلى تغيير.
وقد يكون الحل البديل لبعض المقترحات الحالية هو تبنيها لتقوية شوكة المدققين. فهي توفر مبرراً جديداً لتدقيق عمليات العملاء، ومقاومة كبار المسؤولين الماليين والرؤساء التنفيذيين العدوانيين، والإبلاغ عن المزيد من القضايا التي تهم المديرين والمستثمرين أو الهيئات التنظيمية؛ لمتابعة روح التشكيك المهني التي من المفترض أن تكون جوهر عقيدة مدققي الحسابات. وثمّة مجال للاتفاق، حتى بشأن مقترح «نوكلار» المثير للجدل.
والأكثر فائدة لمدققي الحسابات هو أن ثمّة أدلة على أن المستثمرين على استعداد للدفع مقابل خدمة أكثر دقة. وأشار استطلاع أجراه مركز «أوديت كواليتي» أن الأغلبية ستؤيد فرض مدققي الحسابات رسوماً إضافية بنسبة 20 % أو أكثر لتغطية العمل الإضافي المتمثل في اقتلاع جذور عدم الامتثال.
وغالباً ما يسمى تدقيق الحسابات عالي الجودة بـ«السلعة ذات المصداقية»، لأنه من الصعب حساب قيمتها. لكن، كما سيخبرك المساهمون في «إنرون» و«وايركارد» وغيرهما من الشركات الأخرى، يمكن أن تكون تكلفة سوء التدقيق أكبر بكثير.