الجزء المفقود من أحجية أمريكا في شرائح الذكاء الاصطناعي


الجزء المفقود من أحجية أمريكا في شرائح الذكاء الاصطناعي

إن قرار شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات TSMC جلب أحدث تقنياتها إلى أمريكا يعد خطوة كبيرة إلى الأمام في مسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لتحقيق الأمن في سلسلة التوريد لهذه التقنية الحيوية، إلا أنه لا يزال يترك واشنطن غير قادرة على إنتاج الرقائق الأكثر تعقيداً بشكل كامل.

وتعد استثمارات شركة «TSMC» المخطط لها بقيمة 65 مليار دولار في ولاية أريزونا جزءاً من سباق بناء في أمريكا يشمل شركات تصنيع الرقائق العالمية الأخرى، التي تحصل أيضاً على إعانات مالية كبيرة من واشنطن، ولكن إنتاج الرقائق لأغراض مثل الذكاء الاصطناعي لا يزال من المرجح أن يشمل أيضاً مصانع في آسيا، ما يبرز التعقيد الذي ينطوي عليه تغليف أنواع مختلفة من الرقائق معاً لتعزيز أدائها وكفاءتها،

وليس من السهل حقاً نقل كل شيء إلى الأراضي الأمريكية. وقال مايرون شيه، المحلل في شركة «سيمي أناليسيس» للاستشارات المتخصصة: إن «وجود مسبك (الرقائق) في أمريكا ومن ثم القليل من التغليف هناك ليس كافياً».

وتخطط شركة «تي إس إم سي»، التي تصنع الرقائق في مصانع معقدة ومكلفة للغاية، بدء تصنيع رقائق بحجم 2 نانومتر في أمريكا في سنة 2028، ويعد هذا تعديلاً على الخطط السابقة للشركة. وفي ذلك الوقت، يتوقع أن تكون تقنية 2 نانومتر الأحدث في جميع أنحاء العالم، في حين كانت الشركة تعتزم أن يبدأ المصنع الأمريكي الجديد العمل بتقنية تتخلف جيلاً واحداً عن تايوان، وتلتزم «تس إس إم سي» أيضاً تقديم مصنع ثالث يستخدم تقنية 2 نانومتر أو حتى تقنية أحدث بحلول سنة 2030.

وتدفع واشنطن ثمناً باهظاً مقابل الترقية، فتبلغ المنح 6.6 مليارات دولار، وما يصل إلى 5 مليارات دولار من القروض لـ«تي إس إم سي»، وقالت وزيرة التجارة جينا ريموندو إن أمريكا ستكون في طريقها لتصنيع نحو 20% من الرقائق الأكثر تقدماً في العالم في نهاية العقد.

وفي حين أن أموال واشنطن توفر بعض الحوافز، فإن الدافع الأكثر أهمية لـ«تي إس إم سي» جعل استراتيجيتها في السوق الأمريكية تتماشى مع احتياجات «إنفيديا» وغيرها من بائعي رقائق الذكاء الاصطناعي التي أصبحت المحرك الأقوى للطلب العالمي على أشباه الموصلات.

وستبدأ «تي إس إم سي» إنتاج شرائح 2 نانومتر في تايوان في العام المقبل، وستسمح خطة «تي إس إم سي» الجديدة للسوق الأمريكي لشركة «إنفيديا» وبائعي رقائق الذكاء الاصطناعي الآخرين بنقل بعض طلباتهم من تايوان إلى أريزونا.

وقال شيه: «نعتقد بأن إنفيديا ستبدأ اعتماد شرائح 2 نانومتر في سنة 2026، ولذلك، حتى مع الخطط الملموسة لإنتاج شرائح 2 نانومتر من سنة 2028 في مصنع أريزونا، سيظل ذلك متأخراً».

إن تحرك «تي إس إم سي» بسرعة أكبر من شأنه أن يعطل إحدى مزاياها الرئيسة شركة مصنعة للرقائق، إذ تكمن قدرتها على التفوق على منافسيها في تحقيق عوائد عالية والحفاظ على الرقائق المعيبة عند الحد الأدنى، وهو ما يعد حيوياً لمهندسي التطوير في تايوان.

وقال شخص رفض كشف هويته «لا يعني ذلك أننا لا نريد جلب «تقنية» عملية جديدة إلى الولايات المتحدة حتى قبل ذلك»، و«لكننا نحتاج إلى القرب من مركزنا العالمي للبحث والتطوير حينما نقوم بتكثيف تقنية جديدة، وهذا يعني أنه يجب علينا التعمق في تايوان أولاً».

وعلاوة على ذلك، لا تستطيع «تي إس إم سي» في حد ذاتها ضمان تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي في أمريكا، كما ادعى وزير التجارة رايموندو، فلتصنيع الأجهزة المعقدة، يجب تجميع ودمج مختلف مكونات المنطق والذاكرة المصنوعة في كوريا الجنوبية وتايوان، وهي عملية تعرف باسم التغليف المتقدم.

وفي هذا الشهر، أعلنت شركة تصنيع شرائح الذاكرة الكورية الجنوبية «إس كيه هاينكس» أنها ستبني منشأة تغليف متقدم في ولاية إنديانا لإنتاج شرائح «ذاكرة ذات نطاق ترددي عالٍ» (إتش بي إم) (HBM) ويتم تصنيعها عن طريق تكديس شرائح الذاكرة فوق قالب أساسي للمنطق، تم تصنيعه بوساطة «تي إس إم سي» ليتم استخدامه في أقوى وحدات معالجة الرسوم من «إنفيديا»، ولكن رقائق الذاكرة نفسها، المعروفة باسم «دي رام»، سيستمر إنتاجها في منشآت شركة «إس كيه هاينكس» في كوريا الجنوبية.

وقال سي دبليو تشونج، المحلل في بنك نومورا: «تقوم شركتا سامسونج وإس كيه هاينكس بأقل قدر ممكن من الاستثمار في أمريكا، وبسبب الضغوط الجيوسياسية فقط، ولذا من غير المرجح أن تقوما ببناء مصانع منفصلة في أمريكا لرقائق الذاكرة المتقدمة».

وعلى الرغم من ذلك، ستظل هناك حاجة إلى موقع لإجراء عملية تغليف متقدمة يتم فيها تثبيت ذاكرة «إتش بي إم» على وحدة معالجة الرسوم، ويتم تصنيعها بوساطة «تي إس إم سي»، ولم تظهِر شركة تصنيع الرقائق التايوانية أي رغبة في بناء منشأة تغليف متقدم في أمريكا، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أريزونا صغيرة جداً فلا تناسب هذا المصنع الضخم.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن شركة أمكور، وهي شركة مختصة بتجميع واختبار أشباه الموصلات ومقرها في أمريكا، يمكن أن تساعد على سد الفجوة ولكنها تفتقر إلى القدرة على صنع مكون تغليف رئيس يستخدم لتوصيل أجزاء المنطق والذاكرة.

ومن المقرر أن تقوم شركة سامسونج، المنافس الكوري لشركة «تي إس إم سي»، والتي تصنع أيضاً رقائق المنطق والذاكرة، بتقديم بديل في بناء منشأة متقدمة وهذا جزء من استثمارات جديدة تزيد قيمتها على 20 مليار دولار في تكساس، ومن المقرر الإعلان عنها في الأسبوع المقبل. وقال شخص مطلع على الخطط إن المنشأة ستقدم بديلاً لتقنية التغليف المتقدمة التي تستخدمها «تي إس إم سي» لإنتاج شرائح «إنفيديا» للذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، يشك المحللون في أن يكون هذا كافياً لإقناع عملاء «تي إس إم سي» بالقفز من السفينة. وقال شيه تقوم سامسونج بتصنيع كل شرائح الذاكرة في كوريا، ولذا فإن شحن شرائح الذاكرة إلى أمريكا لعملية تغليف شرائح إتش بي إم قد لا يكون حلاً مثالياً. وأضاف: ولكن سيكون من المنطقي تنفيذ المرحلة الثانية من التعبئة والتغليف في أمريكا.

ولكن شيه قال إن سامسونج متأخرة في تكنولوجيا إتش بي إم. والعملاء يفضلون البحث عن الأفضل في فئته بدلاً من الحصول على مصنع يفعل كل شيء.