الجميع يعرف واحداً منهم على الأقل، هذا الموظف الكفء الذي يفلت من العقوبة دائماً رغم إساءة معاملة زملائه في المكتب، لأدائه المهني المتميز.
يشيع حوله القيل والقال، ويمتعض منه أقرانه، لكن يبدو أنه يسلك دائما مساراً صاعداً.
ما السبب؟ لأن هؤلاء ممن يُطلق عليهم «القساة ضيّقو الأفق» يُحسنون إدارة الأمور، فهم يحصلون على نتائج جيدة لرؤسائهم، ولا يكترثون بإهانة أو إزعاج الآخرين بغرض الوصول. وثمّة عدد لا نهائي من الأمثلة في أماكن العمل المعتادة حتى أن شركة «فايزر» للأدوية وضعت سياسة «لا للمسيئين» في مرحلة ما.
إنني أتحدث هنا عن الزملاء الذين يمكن أن يكونوا قساة أو وقحين وضيقي الأفق، لا أولئك الذين ربما يكونون مزعجين لكن يحاولون فعل الأمر الصائب، مثل هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم خلال مكالمات «زووم» كمن يعرف كل شيء. إنني أقصد الموظف الذي يقلل من إنجازات الغير لتعزيز مسيرته المهنية، أو المدير الذي يتغنى بأمجاده أمام أعضاء الفريق من المبتدئين، أو الموظف الذي يريد إنجاز الأمور على طريقته ويعلو صوته كثيراً عندما لا تسير الأمور على ما يرام.
تكمن المشكلة بالنسبة لكثير من هؤلاء في احتمالية فقدانهم صبرهم واستشاطتهم غضباً سريعاً، وربما تمكن هؤلاء من التقدم في مؤسساتهم دون دراية بتأثيرهم على الآخرين. بل يعتبر بعضهم أنفسهم مغردين خارج السرب، على شاكلة إيلون ماسك، ممن يرون وجوب تقبل من حولهم للسلوك السلبي في مكان العمل والعواقب أياً كانت.
لكن عند وصولهم إلى مرحلة معينة يلحق بهؤلاء في النهاية آثار سوء علاقاتهم بالآخرين وسمعتهم باستحالة تحديهم أو مواجهتهم. وقالت ليندا هيل، الأستاذة لدى كلية هارفارد للأعمال، وواحدة من أبرز الخبراء على مستوى العالم في القيادة: «هم لا يدركون أنهم لا يوضحون مقاصدهم ولا يصطحبون أحداً معهم».
وأوضحت هيل أن قدرتهم على النجاح وحدهم، حين تقترن بطموح مفرط «تعميهم». ولا يطور هؤلاء الأشخاص مهارات التعاطف بسرعة كافية وهم أقل وعياً بأنفسهم، لأنهم لا يُسائلون أنفسهم. وتابعت: «إذا كنت نجماً ونادراً ما تفشل، فمن المُحتمل أنك لم تعمل على تقييم نفسك».
وتبدأ العلاقات بالأقران، في مرحلة ما، في أن تشكل فرقاً على نحو أكبر. وحسبما يوضح جون-فرانسوا مانزوني، رئيس المعهد الدولي للتنمية الإدارية، فإن التوترات عادة ما تتكشف على نحو صارخ عند دخول هؤلاء اللجنة التنفيذية. ويحدث هذا عندما تضطر هذه الشخصيات، إلى مغادرة زمرة الأفراد المخلصين والتعامل مع زملاء آخرين ممن ترقوا هم أيضاً السلم الوظيفي.
وقد استذكر أحد كبار مسؤولي الموارد البشرية لدى شركة صناعية، شخصاً، ترقى حتى وصل إلى اللجنة التنفيذية، لكنه عندما خضع لتقييم صائدي الكفاءات والموارد البشرية لشغل منصب الرئيس التنفيذي، تبين بوضوح أنه كان يُعتبر متنمراً. وأضاف: «لم يعرف الأعلى منصباً بشأن هذا حتى هذه النقطة، وفي هذه المرحلة، قرروا استبعاده تلقائياً».
في نهاية الأمر، سيؤثر سلوك مثل هؤلاء الأشخاص على أداء الفرق العليا لمهامهم، وكيفية تفكيرهم في الاستراتيجية، ومدى نجاحهم في العمل مع مجلس الإدارة من عدمه، ومن المُرجح أن يصبحوا مشكلة للمسؤولين في مرحلة ما.
وقال مانزوني: «أنّى لك أن تصنع فريقاً بهذه المجموعة من الأفراد الذين لا يلتقون كثيراً، في حين أنكم تجتمعون لمناقشة مشكلات معقّدة بحكم طبيعتها، تكون كلها ذات أولويات متصادمة، خلال فترة زمنية محدودة».
وبطبيعة الحال، ثمة أمثلة على أناس لا يحبهم الموظفون لكنهم ترقوا إلى المناصب العليا. فقد لفت أودي آشيم، الشريك لدى «فيرست هيومان»، وهي شركة تدريب على القيادة، إلى أن بعض القطاعات تقيم وزناً لسمات، مثل القسوة والأنانية، أكثر من سمات أخرى.
وهناك أمثلة عديدة في مجالات المصارف والقانون والمتداولين في السوق. ومع ذلك، يعتقد آشيم أن «المسيئين» في أغلب الصناعات سيصلون مرحلة يكونون فيها «غير قابلين للترقية»، ففي نهاية المطاف، يرغب الناس في العمل مع أناس لا يحترمونهم فقط، وإنما يحبونهم أيضاً.
وهناك تحوّل بين الشركات العامة المُدرجة نحو إدراك منافع التمتع بقائد أكثر تعاطفاً، إذ ينجذب الأشخاص إلى من لا يعملون لنفعهم الشخصي، وإنما يساعدون غيرهم. وفي الواقع، يخلق مثل هؤلاء الأشخاص قيمة أكبر لأنفسهم وللمؤسسات التي يعملون فيها.
وقد استعرض آدم غرانت، أستاذ علم النفس التنظيمي، هذا الموضوع في كتابه «اعط وخذ». وقال إن السردية الشائعة تتمثل في بلوغ ذوي الأداء المتفوق القمة من خلال العمل الدؤوب والموهبة والحظ، لكن النجاح في النهاية يتوقف على كيفية تفاعلهم مع الآخرين. وأضاف: «عادة ما يكون هناك خاسر، عندما يفوز من يأخذون فقط». لكن يعم النجاح وينتشر عند فوز المانحين.
عموماً، إلى كل من أصابه الهم والغم على أيدي أحد «المسيئين» في المكتب، لا تخف، فمن المُحتمل أن ينال جزاءه. في النهاية.
_ أنجلي رافال