بصفته رئيس أكبر شركة تجزئة للمجوهرات في الصين، يضع كينت وونج إصبعه على نبض المستهلكين في ثاني أكبر اقتصاد في العالم - وأنهم يشعرون بالحذر.
قال وونج، العضو المنتدب لشركة تشاو تاي فوك، إن عملاء السلسلة بدأوا يتحولون من الألماس والأحجار الكريمة الأخرى إلى الذهب، وهو مخزن للثروة في الأوقات الصعبة. وقال: "على المدى القصير، سيظل الناس أكثر حذرا سواء أكان استهلاكا أو استثمارا"، مضيفا أنه يتوقع عودة ثقة المستهلك خلال عام أو عامين.
تأتي توقعات وونج الضعيفة لعام 2024، التي يشاركه فيها كثير من المحللين، في الوقت الذي يستعد فيه صناع السياسات في بكين لعام حاسم في معركتهم لاستعادة المعنويات العالية للاقتصاد والهروب من خطر دوامة الديون والانكماش.
وفي خطاب ألقاه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، قال رئيس الوزراء لي تشيانغ الثلاثاء إن الناتج المحلي الإجمالي الصيني نما بنسبة "تقديرية" بلغت 5.2 في المائة العام الماضي. بينما سيتجاوز هذا قليلا الهدف الرسمي البالغ 5 في المائة، إلا أن الاقتصاديين قالوا إن من المرجح أن يكون عام 2024 أكثر صعوبة، حيث توقع استطلاع أجرته وكالة "رويترز" للمحللين أن يتباطأ النمو إلى 4.6 في المائة.
فقد دخل الانكماش العقاري عامه الثالث، والصادرات ضعيفة، والمستثمرون الحذرون يبتعدون عن الأسواق المالية في الصين ويصارع صناع السياسات ما يقول محللو بنك مورجان ستانلي إنه أطول فترة من الضغوط الانكماشية في البلد منذ الأزمة المالية الآسيوية بين 1997-1998.
قال روبن شينغ، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك مورجان ستانلي: "أعتقد أنه عام حاسم بالنسبة للاقتصاد الصيني، بمعنى أن الانكماش قد يدخل في حلقة مفرغة".
وقال شينغ إن الشركات بدأت في خفض الديون والامتناع عن الإنفاق الرأسمالي والتوظيف، في حين كانت سوق العمل صعبة وتوقعات الأجور تتدهور. وقال: "لكسر هذه الحلقة، نحتاج إلى بذل بعض الجهود السياسية الهادفة للغاية".
ويتوقع المحللون أن يحدد الاجتماع السنوي لمجلس الشعب (البرلمان) مرة أخرى هدف النمو الاقتصادي بنحو 5 في المائة عندما يجتمع في أوائل مارس.
ورغم أن هدف العام الماضي قوي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، إلا أنه كان الأدنى في الصين منذ عقود. وقال محللون إنه بعد أن أضرت عمليات الإغلاق القاسية بالاقتصاد في عام 2022، كان من المفترض أن يكون من السهل تحقيق ذلك، لكن الحكومة اضطرت إلى زيادة الدعم المالي بعد تذبذب النمو في منتصف العام.
وقال هوي شان، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك جولدمان ساكس، إن التأثير الأساسي للمقارنة بعام 2022 ربما أدى إلى تحسين نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في العام الماضي بنحو نقطتين مئويتين.
وقال محللون، كما هي الحالة في العام الماضي، إن قطاع العقارات أكبر حالة من عدم اليقين التي تواجه الاقتصاد في عام 2024. فقد أعلنت الحكومة عن مبادرات متعددة، وكشفت أخيرا أن البنك المركزي في ديسمبر الماضي قام بتحويل 350 مليار رنمينبي (49 مليار دولار) إلى البنوك عبر تسهيل يعرف باسم "الإقراض التكميلي المتعهد به".
لم يوضح البنك الغرض من القروض، لكن المحللين يتوقعون أنها قد تكون مخصصة "للمشاريع الثلاثة الرئيسة" - برنامج تحفيز لمساعدة صناعة بناء المساكن.
قال كريس بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في جافيكال، إن هذا المخطط قد يكون كافيا لوضع أرضية تحت نشاط البناء المحتضر، لكن مبيعات العقارات ستكون مجهولة بشكل أكبر. وفي ديسمبر، كانت مبيعات العقارات في الصين لا تزال تمثل 60 في المائة فقط من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2019 في 30 مدينة رئيسة.
وقال بيدور إنه إذا تعمقت أزمة العقارات بشكل أكبر، فقد تضطر السلطات إلى إطلاق حزمة تحفيز "مؤثرة بشكل كبير" من شأنها أن تفاجئ السوق في الاتجاه الصعودي. لكنه أضاف أن توقعاته الوسطية هي تحقيق الاستقرار وليس الانتعاش. وقال: "سيكون هناك بعض الانتعاش المتواضع هذا العام، وبعبارة أخرى على الأقل ستتوقف الأمور عن التدهور".
بعيدا عن قطاع العقارات، يرى الاقتصاديون أن هناك حاجة ماسة إلى حزمة تحفيز أوسع نطاقا إضافة إلى الإصلاحات لإنعاش الاقتصاد.
قالت أليشيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك ناتيكسيس: "يشكل الانكماش مصدرا للقلق الشديد بالنسبة لبلد مثل الصين التي تراكمت عليها الديون العامة بسرعة أكبر من أي وقت مضى في اليابان". ففي أوقات الانكماش، تنخفض الأسعار والأجور، لكن قيمة الدين لا تنخفض، ما يزيد من أعباء السداد.
وقال شينغ من بنك مورجان ستانلي إن الحكومة المركزية بحاجة إلى تقديم حزمة مالية تستهدف الاستهلاك وليس زيادة الاستثمار في التصنيع. وقد يفيد هذا مئات الملايين من العمال المهاجرين في الصين، على سبيل المثال، عبر منحهم مزيدا من القدرة على الوصول إلى المزايا الاجتماعية، والحد من الحوافز التي تدفعهم إلى اكتناز المدخرات بدلا من الإنفاق.
وقال شينغ: "إننا بحاجة إلى تحول حاسم نحو التيسير المالي. بالطبع الحجم مهم والسرعة مهمة. إذا استمرت السياسة في تقصيرها، فقد تكون السياسة المطلوبة لكسر فخ الديون والانكماش أكبر من ذلك في النهاية".
وقال الاقتصاديون إن الصادرات، التي تقلصت بالقيمة الدولارية العام الماضي، لا يمكن الاعتماد عليها لإنقاذ الاقتصاد، في ظل ضعف الطلب العالمي. لقد أدت سياسات التحفيز التي تنتهجها الصين، التي تعطي الأولوية للتوسع في الإقراض المصرفي الحكومي للمصنعين، إلى زيادة القدرة الفائضة وزيادة الخلاف مع الشركاء التجاريين مثل الاتحاد الأوروبي.
ورغم دعوات السوق لبكين لتخفيف السياسة والجهود التي تبذلها الصين لتقديم وجه صديق للمستثمرين، قال المحللون إن صناع السياسات واصلوا إرسال إشارات متضاربة.
فقد أبقى بنك الشعب الصيني سعر فائدة مهم على الإقراض دون تغيير الإثنين رغم توقعات السوق بخفضه. وفي الشهر الماضي، صدمت الحكومة المستثمرين بإعلانها عن مسودة قيود صارمة على ألعاب الفيديو بعد أن قدمت في السابق تأكيدات بأن الحملة القمعية على التكنولوجيا قد انتهت.
حاولت الحكومة تهدئة المخاوف بإقالة المسؤول عن مسودة القواعد، لكن المحللين قالوا إن الضرر قد وقع بالفعل.
وقال اقتصاديون إن كل هذا من شأنه أن يجعل تحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المائة هذا العام أمرا طموحا. وقال شان، من بنك جولدمان ساكس، إن الحكومة ستحتاج إلى تقليل التأثير السلبي لقطاع العقارات على الاقتصاد، وتنفيذ مزيد من التدابير المالية التوسعية، و"أن يسعفها الحظ في الصادرات".
وقال شان: "إذا كانت الحكومة تريد ذلك حقا، فستجد بشكل أو بآخر طريقة للوصول إلى نسبة 5 في المائة. لكنها ستكون مهمة صعبة".
_ جو ليهي من بكين وتشان هو-هيم من هونج كونج